بعد السلام
عشر سنوات بين العبدلي وعبدالرحمن الفلاح
كتب عبدالمحسن الجارالله الخرافي :
عندما تمشي في أرجاء العبدلي (صبيحة يوم الثلاثاء الماضي الموافق 3/11/2009) تكاد تسمع حفيف أشجارها «أين عبدالرحمن؟»، وتكاد ترى في نخيلها وأزهارها لسان حالها يتساءل «وين عبدالرحمن؟».لأنه في هذا التاريخ تكون قد مرت على وفاة العم عبدالرحمن حمد الفلاح، وهو من هو في تأسيس منطقة العبدلي الزراعية، عشر سنوات.. رحمه الله.صحيح أنه لم يكن أول من اتخذ مزرعة فيها، لكنه كان بنشاطه الحي وخدماته المبذولة تطوعيا للناس، كل الناس، من يعرف منهم ومن لا يعرف، عاملا مهما في سرعة استقرار الناس في مزارع العبدلي، حيث كان يحل مشكلاتهم ويعينهم في بدايات امرهم على تخطيط مزارعهم، بل واصلاح ما تعطل فيها من الاجهزة المستخدمة في الزراعة والري.وقبل الاستطراد في وصف شخصية المرحوم عبدالرحمن حمد الفلاح، دعني عزيزي القارئ وكعادتي اخيرا الق. الضوء على عائلة الفلاح بشكل عام.فعائلة الفلاح عائلة عريقة شاركت بقية العائلات الكويتية القديمة في بناء كويت الماضي برا وبحرا، فعلى مستوى البحر كانوا يملكون ويقودون كنواخذة عدة سفن شراعية للسفر التجاري على وجه الخصوص، فضلا عن سفينتين لنقل المياه العذبة من شط العرب، ليستفيدوا بالقليل منها ويوزعوا بقيتها على أهل الكويت، إما من جيرانهم أو من الفقراء بشكل عام. وأما برا فقد كانت لهم حملة حج تطوعية غير ربحية يحججون بها كثيرا من الذين لا يجدون ما ينفقون في الحج، واللطيف، بل العجيب في الوقت نفسه، أن قائد هذه الحملة وأمير الحج في الوقت نفسه هو فلاح محمد الفلاح الاعمى البصير، فهو كفيف العين مبصر القلب حتى كان يقود المبصرين ويرشدهم، ولايزال رجالات هذه العائلة الكريمة من المتميزين في الجوانب المختلفة من خدمة الوطن.عود على بدء، فإن سبب تميز المرحوم بإذن الله تعالى عبدالرحمن حمد الفلاح هو خدمته، بل تفانيه في خدمة اهل العبدلي، خصوصا المستجدين على المنطقة، وقد كان ذلك في بدايات تأسيس العبدلي، حين لم تكن الخدمات الكهربائية ولا الهاتفية ولا المائية متكاملة، حتى كان من الطريف أنه يتكرر وبشكل عادي أن يتصل عمال المزارعين ممن يعرف أو لا يعرف، ليشتكوا إليهم ان مضخة البئر الارتوازية لا تعمل، أو أن أي جهاز زراعي لا يعمل، فلا يحتار المزارع منهم، بل يحيلهم إلى عبدالرحمن الفلاح، فيتساءل العمال فيما بينهم حتى يجدوا رقم هاتفه من عماله، فيتصلون به ليحضر ويحل المشكلة قبل طلوع صباح اليوم التالي وبشكل تطوعي دائما، والمزارع في بيته بمدينة الكويت.ومع ذلك كان مثالا للتواضع والبساطة، خصوصا بين عماله الذين كان يعتبرهم أصدقاء في العمل وشركاء في المسؤولية، كما كان رحمه الله كريما ينطبق عليه المثل الشعبي: «اللي بيده موله» أي ان ما كان بيده ليس له، بل للمحتاج، وليس هذا بغريب على سليل أسرة كريمة كان ديوانها في منطقة القبلة مفتوحا بعد الصلوات الخمس، أي على مدار الساعة تقدم فيه الوجبات الثلاث للضيوف، وعابري السبيل حتى سميت «سدّاحة الفلاح» لأن الناس ينامون فيها.لقد بكاه الجميع صغارا وكبارا، بل بكته العبدلي عندما افتقدت فزعته وعونه وسنده المعنوي والمادي لكل اهل العبدلي الذين احتاجوه يوما من الايام، فما تأخر عنهم لحظة واستمر على نمطه ابنه الوفي، فهو حتى شغلته طبيعة عمله.كيف لا يكون الوفاء له منهم، وقد كان يعتبر نفسه أخا لهم، مهما كانت فوارق السن، وخير مثال على ذلك رفيق دربه في العبدلي منذ البدايات رغم الفارق الزمني في العمر، وهو الاخ المزارع بجاد البطي، مآثر كثيرة له في ذاته، وبصمات عديدة له على العبدلي، حتى اعتبرتها له خدمة وطنية ساهمت في تثبيت الحدود الشمالية للكويت، ولذلك يفهم من يزور العبدلي ويصلها من شارعها الرئيسي، لماذا سمي هذا الشارع باسم «عبدالرحمن الفلاح»، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وأبدله بمزارع العبدلي رياض الجنة برحمته وجوده.* * *• في المقال المقبل إن شاء الله سننتقل من رياض الزرع إلى رياض القلب والطب.. مع شخصية الراحل بالأمس الاول د. عصام الشربيني.
د. عبدالمحسن الجارالله الخرافيmailto:الخرافيajkharafi@yahoo.com
من جريدة القبس
9.11.2009
No comments:
Post a Comment